فصل: وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخبا ر الوزراء.

كان وزير المعز لدين الله يعقوب بن يوسف بن كلس أصله من اليهود وأسلم وكان يدبر الأحوال الأخشيدية بمصر وعزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع وخمسين وصادره فاستتر بمصر ثم فر إلى المغرب ولقي المعز لدين الله وجاء في ركابه إلى مصر فاستوزره وعظم مقامه عنده واستوزره بعده ابنه العزيز إلى أن توفي سنة ثمانين وصلى عليه العزيز وحضر دفنه وقضى عنه دينه وقسم عمله فرد النظر في الظلامات إلى الحسن بن عقار كبير كتامة ورد النظر في الأموال إلى عيسى بن نسطورس ولم تزل الوزارة سائر دولتهم في أرباب الأقلام وكانوا بمكان وكان منهم البارزي وكان مع الوزارة قاضي القضاة وداعي الدعاة وسأل أن يرسم اسمه على السكة فغرب ومنع ومات قتيلا بتنيس وأبو سعيد النسري وكان يهوديا وأسلم قبل وزارته والجرجاني وقطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب وحلف الحاكم بيمين لا تكفر ليقطعنه ثم رده بعد ثلاث وخلع عليه وابن أبي كدينة ثلاثة عشر شهرا ثم صرف وقتل وأبو الطاهر بن ياشاد وكان من أهل الدين واستعفى فا عفي وأقام معتكفا في جامع مصر وسقط ليلة من السطح فمات وكان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي وكان بعده بدر الجيالي أيام المستنصر وزير سيف الدولة واستبد له على الدولة ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم.

.أخبار القضاة.

كان النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون في خطة القضاء للمعز بالقيروان ولما جاء إلى مصر أقام بها في خطة القضاء إلى أن توفي وولي ابنه علي ثم توفي سنة أربع وسبعين وثلثمائة فولى العزيز أخاه أبا عبد الله محمدا خلع عليه وقلده سيفا وكان المعز قد وعد أباه بقضاء ابنه محمد هذا بمصر وتم في سنة تسع وثمانين أيام الحاكم وكان كبير الصيت كثير الإحسان شديد الاحتياط في العدالة فكانت أيامه شريفة وولي بعده ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن علي بن النعمان أيام الحاكم ثم عزل سنة أربع وتسعين وقتل وأحرق بالنار وولي مكانه ملكة بن سعيد الفارقي إلى أن قتله الحاكم سنة خمس وأربعمائة بنواحي القصور وكان عالي المنزلة عند الحاكم ومداخلا له في أمور الدولة وخالصة له في خلواته وولى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم كان كثيرا ما يجمعون للقاضي المظالم والدعوة فيكون داعي الدعاة وربما يفردون كلا منهما وكان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عندما يخطب الخلفاء في الجمع والأعياد.

.وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم.

قد تقدم لنا أن العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين وبرز في العساكر لغزو الروم ونزل بلبيس فاعتورته الأمراض واتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشرة سنة ونصف من خلافته ولقب الحاكم بأمر الله واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك وكان مدبر دولته وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمار ويلقب بأمين الدولة وتغلب على ابن عمار وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم ونكر منجوتكين تقديم ابن عمار في الدولة وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض وجهز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان وانهزم منجوتكين وأصحابه وقتل منهم ألفين وسيق أسيرا إلى مصر فأبقى عليه ابن عمار واستماله للمشارقة وعقد على الشام لسليمان بن فلاح ويكنى أبا تميم فبعث من طبرية أخاه عليا إلى دمشق فامتنع أهلها فكاتبهم أبو تميم وتهددهم وأذعنوا ودخل على البلد ففتك فيهم ثم قدم أبو تميم فأمن وأحسن وبعث أخاه عليا إلى طرابلس وعزل عنها جيش بن الصمصامة فسار إلى مصر وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار وأعيان كتامة وكان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ونكبة أخيه شرف الدولة إياه فخلص إلى العزيز فقربه وحظي عنده فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامة وثارت الفتنة واقتتل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة واختفى ابن عمار وأظهر برجوان الحاكم وجدد له البيعة وكتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب ونهبت خزائنه واستمر القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق واستولى الأحداث ثم أذن برجوان لابن عمار في الخروج من أستاره وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره واضطرب الشام فانتقض أهل صور وقام بها رجل ملاح اسمه العلاقة وانتقض مفرج بن دغفل بن الجراح ونزل على الرملة وعاث في البلاد وزحف الدوقش ملك الروم إلى حصن أفامية محاصرا لها وجهز برجوان العساكر مع جيش بن الصمصامة فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون وأسطولا في البحر واستنجد العلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب فظفر بهم أسطول المسلمين واضطرب أهل صور وملكها ابن حمدان وأسر العلاقة وبعث به إلى مصر فسلخ وصلب وسار جيش بن الصمصامة إلى المفرج بن دغفل فهرب أمامه ووصل إلى دمشق وتلقاه أهلها مذعنين وأحسن إليهم وسكنهم ورفع أيدي العدوان عنهم ثم سار إلى أفامية وصاف الروم عندها فانهزم أولا هو وأصحابه وثبت بشارة أخشيدي بن قرارة في خمس عشرة فارسا ووقف الدوقش ملك الروم على رابية في ولده وعدة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين فقصد كردي من مصاف الأخشيدي وبيده عصا من حديد يسمى الخشت وظنه الملك مستأمنا فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله وانهزم الروم وأتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنطاكية يغنم ويسبي ويحرق ثم عاد مظفرا إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخل واستخلص رؤساء الأحداث واستحجبهم وأقيم له الطعام في كل يوم وأقام على ذلك برهة ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم ويوضع السيف في سائرهم فقتل منهم ثلاثة آلاف ودخل دمشق وطاف بها وأحضر الأشراف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم وبعث بهم إلى مصر وأمن الناس ثم إنه توفي وولى محمود بن جيش وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين وفي جيشا إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها وولى عليها يانسا الصقلي ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين وكان خصيا أبيض وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده ثم قتل الحسين بن عنار ثم الحسين بن جوهر القائد ثم جهز العساكر مع يارخنكين إلى حلب وقصد حسان بن فرج الطائي لما بلغ من عيثه وفساده فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسان وأبوه مفرج فانهزم وقتل ونهبت النواحي وكثرت جموع بني الجراح وملكوا الرملة واستقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة ثم استمالهما الحاكم ورغبهما فرداه إلى مكة وراجعا طاعة الحاكم وراجع هو كذلك وخطب له بمكة ثم جهز الحاكم العساكر إلى الشام مع علي بن جعفر بن فلاح وقصد الرملة فانهزم حسان بن مفرج وقومه وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم وأخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة ووصل إلى دمشق في شوال سنة تسعين فملكها واستولى عليها وأقام مفرج وابنه حسان شريدين بالقفر نحوا من سنتين ثم هلك مفرج وبعث حسان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله.